هل تعرف نفسك ؟
يقول فولتير:
"فليحفظني الله من أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم".
يقول سارتر: "الجحيم
هو ... الآخرون".
يقول فيثاغورس: "إذا
اختبرت إنساناً فوجدته لا يصلح أن يكون صديقاً فاحذر من أن تجعله لك عدواً".
ويقول المثل الروسي:
"تصادق مع الذئاب على أن يكون فأسك مستعداً"
ويقول وهيب بن الورد:
"خالطت الناس خمسين سنة، فما وجدت رجلاً غفر لي ذنباً، ولا وصلني إذا قطعته،
ولا ستر علي عورة، ولا ائتمنته إذا غضب، فالاشتغال بهؤلاء حمق كبير".
وقيل لعروة بن الزبير لما
اتخذ داره في العقيق: ...لمَ تركت الناس؟ قال: "لأن ألسنتهم لاغية، وأسماعهم
صاغية، وقلوبهم لاهية".
تلك الكلمات وكثير
غيرها، كانت مفتاح كتاب:"الإنسان كما أعرفه"، لمؤلفه محمد إبراهيم الماضي، فقد قرأته وقصة صديقين تلوح أمام عيني، حيث تعرضت الصداقة بينهما لشرخ فذهب كلاهما في ناحية، فيما الصداقة تبكي من لا يبكيها.
الكتاب في حقيقته يتحدث
عن النفس البشرية، والمشاعر، والمصالح، والغاية التي ينشدها الإنسان في حياته.
وقد جمع صاحبه كثيراً من
القصص والأقوال، التي لم يردها من منبع واحد، وإنما من الاتجاهات، كي يؤكد منهج
الكتاب الاستقصائي.
أعجبتني كثيراً الفلسفة الحياتية التي توصل
إليها المفكر عباس محمود العقاد، وجاءت في ثنايا الكتاب، حيث توصل من خلال تعايشه مع
الناس إلى عدة حقائق لخصها بقوله:
(كنت أتعب في معاملتهم،
ثم عرفت ما أنتظره منهم، فأرحت نفسي من التعب، واتخذت لنفسي شعاراً معهم "ألا
تنتظر منهم كثيراً، ولا تطمع منهم في كثير").
وهذه الفلسفة تتلخص في
سطور، "غناك في نفسك، وقيمتك في عملك، وبواعثك أحرى بالعناية من غاياتك، ولا
تنتظر من الناس كثيراً، تحمد عاقبته بعد كل انتظار" ثم يتساءل الكتاب : بعد
كل هذه التجارب الثرية، هل استطاع العقاد أن يعرف نفسه جيداً؟ يجيب على ذلك
قائلاً: وهل يعرف الإنسان نفسه؟.. كلا بغير تردد، فلو أنه عرف نفسه لعرف كل شيء في
الأرض والسماء، وفي الجهر وفي الخفاء، ولم يكتب ذلك لأحد من أبناء الفناء.
وهناك الفلسفة التي خرج بها برنارد شو: (إنني لا أفكر كثيراً في مقدار الشجاعة التي يتمتع
بها مروض الأسود، إنه في داخل قفص الأسد يكون على الأقل في مأمن من شرور الآخرين،
وليس هناك ما يخيف من أسد يجد ما يكفيه من طعام، ذلك لأنه لا يعتنق مبادئ ولا
ينتمي إلى جماعات أو أحزاب، أو إلى دولة أو طبقة، باختصار، ليس هناك ما يدفعه
للقضاء على شيء لا يريد أن يأكله، لقد أحرق الأمريكيون الأسطول الإسباني في الحرب
المكسيكية، ولجئوا أخيرا إلى جر الجرحى من هياكل المراكب التي غدت كالجحيم، ذلك ما
لا يقدر على فعله الأسد.
أما
فلسفته: (كن أفاقاً، أو كن مليونيراً.. كلاهما لا يعني الكثير، أما ما يعني فهو أن
تكون فقيراً ذا أقارب أغنياء، وهذا هو البلاء نفسه).
ثم يصل الكتاب إلى الحكمة
القائلة : (إنما يعرف الإنسان نفسه بمعنى واحد وهو أن يعرف حدود نفسه حيث تلتقي
بما حولها من الأحياء، أو من الأشياء، والفرق عظيم بين معرفة النفس ومعرفة حدودها،
لأننا نستطيع أن نعرف حدود كل مكان، ولكن لا يلزم من ذلك أن نعرف خباياه وخصائص
أرضه وهوائه وتاريخ ماضيه ولو قسنا كل شبر في حدوده، والأحرى أن يُقال أن الإنسان
يعرف الفواصل بينه وبين غيره، فيعرف مداها ولا يتعداه).
ولذا دعا سقراط
طوال حياته الإنسان إلى معرفة نفسه بعمق وفهم كمرحلة أولى لمعرفة الآخرين، فقال:
"اعرف نفسك"، ولكن هل استطاع صاحب هذه الدعوة أن يتوصل إلى معرفة نفسه
كما يجب؟ يجيب سقراط على ذلك قائلاً: "أنا أعرف عن نفسي إنني لا أعرف شيئاً!
وفي الختام إليكم تلك
الأقوال الرائعة:
-سئل حكيم: من الذي يسلم من معاداة الناس؟ قال: "من لم يظهر منه
لا خير ولا شر"، قيل له وكيف ذلك؟ قال: "لأنه إن ظهر منه خير، عاداه الأشرار..
وإن ظهر منه شر عاداه الأخيار".
-سأل الإمام أحمد بن حنبل حاتمَ الأصم وكان من الحكماء: كيف السبيل
إلى السلامة من الناس؟ فأجاب حاتم: "تعطيهم مالك، ولا تأخذ من مالهم، ويؤذونك
ولا تؤذهم، وتقضي مصالحهم ولا تكلفهم بقضاء مصالحك" قال الإمام أحمد: إنها
صعبة يا حاتم، قال حاتم: "وليتك تسلم".
-وصف الخليفة العباسي المأمون الناسَ بأنهم ثلاثة: "أحدهم
كالهواء لا يستغنى عنه، وثانٍ كالدواء لا يحتاج إليه إلا في بعض الأوقات، وثالث
كالداء، لا يحتاج أبداً أبداً".
-يقول طاغور: "ابحث في الناس عن مزاياهم، وابحث في نفسك عن عيوبك،
تكن أحكم الناس".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق